recent
أخبار ساخنة

دليلك لاستخدام الرسم في التعامل مع فرط الحركة والتوحد واضطراب المسلك

الصفحة الرئيسية
دليلك لاستخدام الرسم في التعامل مع فرط الحركة والتوحد واضطراب المسلك



هناك ثلاثة أطفال قد تعرفين أحدهم جيداً، ربما يعيش معك في نفس المنزل.

الطفل الأول، وقت الواجب المدرسي بالنسبة له معركة يومية. تجلسين بجانبه وتقولين: "اكتب هذه الكلمة". يكتب أول حرف، ثم فجأة يتوقف لينظر إلى ظل القلم على الورقة. تسألينه: "ماذا بك؟"، فيجيب: "لقد تذكرت أين ضاع المكعب الأحمر!". هو لا يتوقف عن الحركة، يهز قدمه باستمرار، ويقاطعك في كل جملة. الناس يصفونه بأنه "قليل الأدب" أو "لا يهتم"، لكن الحقيقة أن عقله يعمل بسرعة فائقة، وينتقل بين مئة فكرة في الدقيقة الواحدة، وهو لا يملك "فرامل" لإيقاف هذا السباق. هذا هو فرط الحركة وتشتت الانتباه.

الطفل الثاني، الذهاب إلى مكان غير مألوف هو سبب للانهيار. في السوبر ماركت، يغطي أذنيه ويبكي بسبب صوت إعلان فجائي. هو لا يتواصل بالعينين، وإذا أراد شيئاً، يسحب يدك إليه دون أن يتكلم. الناس يصفونه بأنه "عنيد" أو "شديد الحساسية"، لكن الحقيقة أن عالمه يجب أن يكون منظماً ومتوقعاً حتى يشعر بالأمان، وأي تغيير مفاجئ أو صوت عالٍ هو هجوم مباشر على حواسه. هذا هو طيف التوحد.

الطفل الثالث، كلمة "لا" البسيطة هي مفتاح الانفجار. تطلبين منه أن يغلق التلفاز، فينظر إليكِ بتحدٍ ويرفع الصوت. تأخذين منه الجهاز، فيصرخ ويلقي بالوسادة على الأرض. في المدرسة، يتشاجر مع زملائه لأتفه الأسباب. الناس يصفونه بأنه "طفل عدواني" أو "غير متربي"، لكن الحقيقة أن بداخله غضباً كبيراً لا يفهمه ولا يعرف كيف يتحكم فيه. أي شعور بالرفض يشعل فتيل هذا الغضب، فيتصرف بقوة ليدافع عن نفسه. هذا هو اضطراب المسلك.

هؤلاء الأطفال لا يقومون بهذه التصرفات ليزعجوكِ عن قصد. كل واحد منهم يخوض معركة داخلية يومية ويفتقر للأدوات المناسبة للتعبير عن نفسه. هذا الدليل سيقدم لكِ أداة بسيطة وقوية... الرسم. سنتعلم كيف نستخدمه لمساعدة الطفل الأول على التركيز، والثاني على التواصل، والثالث على تهدئة غضبه.

دليل لتدريب عملى للتعامل مع فرط الحركة والتوحد واضطراب المسلك من خلال الرسم



الرسم ليس مجرد نشاط عابر، بل هو أداة نفسية قوية تتشكل لتناسب احتياجات كل طفل. أهميته الحقيقية لا تكمن في الورقة والقلم، بل في الأثر الذي يتركه داخل عقل الطفل.

للطفل الأول (فرط الحركة وتشتت الانتباه):

أهمية الرسم له تكمن في أنه يقدم له شيئين يفتقدهما: "المرساة" و"المنفذ". التلوين المنظم يعمل كـ "مرساة" تثبّت تركيزه المشتت وتدربه على الهدوء. أما الرسم الحر فهو "منفذ آمن" يحرر طاقته الجسدية والعقلية الزائدة بشكل بنّاء، مما يعزز قدرته على التهدئة الذاتية ويرفع من ثقته بنفسه عند إنجاز عمل فني.

للطفل الثاني (طيف التوحد):

تكمن أهمية الرسم في أنه يمثل له "لغة بديلة" وآمنة. في عالم قد تكون فيه الكلمات والتواصل المباشر مصدرًا للقلق، يصبح الرسم وسيلة واضحة للتعبير عن مشاعره واحتياجاته دون ضغط. هذا لا يقلل من إحباطه فقط، بل يوفر له أيضًا نشاطًا روتينيًا منظمًا يمنحه شعورًا بالتحكم والأمان، ويساعده على تنظيم مدخلاته الحسية بشكل أفضل.

للطفل الثالث (اضطراب المسلك):

بالنسبة له، أهمية الرسم هي أنه "صمام أمان" و"مرآة للأفعال". الرسم العنيف على الورق هو تفريغ آمن وصحي لطاقة الغضب الهائلة بدلاً من تفريغها في سلوك مؤذٍ. كما أن رسم المواقف بعد حدوثها يعمل كمرآة تجعله يرى عواقب أفعاله بشكل مرئي، مما يمثل الخطوة الأولى نحو التحكم في الاندفاع وبداية تنمية التعاطف مع الآخرين.

الفروقات في التدريب: خطة عمل لكل طفل

لا يمكننا تدريب هؤلاء الأطفال بنفس الطريقة، فلكل منهم مفتاحه الخاص. الجدول التالي يوضح الفروقات الأساسية في أهداف وتقنيات التدريب لكل طفل:

الطفل (التحدي) الهدف الأساسي من الرسم تقنيات مقترحة وفعالة
الأول (فرط الحركة) بناء التركيز وتهدئة الطاقة
  • جلسات رسم قصيرة (5 دقائق).
  • التلوين حسب الرقم والماندالا.
  • "كراسة الشخبطة السريعة" لتفريغ الطاقة.
الثاني (التوحد) التواصل غير اللفظي وتنظيم الحواس
  • الرسم بالأصابع والألوان المائية.
  • إنشاء "بطاقات مشاعر" مرسومة.
  • استخدام الرسم كجزء من الروتين اليومي.
الثالث (اضطراب المسلك) إدارة الغضب وبناء التعاطف
  • استخدام "ترمومتر الغضب" المرسوم.
  • رسم عواقب السلوك (قصة مصورة).
  • رسم الموقف من وجهة نظر شخص آخر.


كيفية نجاح جلسة الرسم

نجاح هذه الأداة لا يعتمد على الطفل وحده، بل على البيئة التي توفرينها له. إليكِ بعض القواعد البسيطة لدورك أثناء جلسة الرسم:

  1. تجنبي التصحيح: لا تقولي أبداً "الشمس ليست زرقاء". الرسم هو عالم الطفل الخاص، وليس اختباراً في الواقعية.
  2. اطرحي أسئلة مفتوحة: بدلاً من أن تسألي "ما هذا؟"، جربي أن تقولي "احكِ لي عن رسمتك". هذا يشجعه على السرد والتعبير.
  3. امدحي الجهد وليس النتيجة: ركزي على مديح صبره، أو اختياره للألوان، أو فكرته، وليس على جمال الرسمة.
  4. ارسمي معه: وجودك وأنتِ ترسمين بجانبه (دون التدخل في رسمته) يمثل دعماً صامتاً وتشجيعاً كبيراً له.
  5. اختيار الأدوات المناسبة: لكل طفل أدواته الخاصة
اختيار الأداة الخاطئة قد يكون سبباً كافياً لإفشال جلسة الرسم بأكملها. إليكِ بعض النصائح:

  • للطفل الأول (فرط الحركة): قد يفضل الأدوات سريعة المفعول مثل الألوان الشمعية السميكة أو الأقلام الفلوماستر العريضة. الأدوات الدقيقة التي تنكسر بسهولة قد تسبب له الإحباط.
  • للطفل الثاني (التوحد): قد يكون حساساً للروائح أو الملامس. استخدمي أدوات عالية الجودة ذات رائحة خفيفة. قد يفضل الأقلام الخشبية لتحكم أكبر، أو يستمتع بتجربة حسية مثل ألوان الأصابع.
  • للطفل الثالث (اضطراب المسلك): يحتاج إلى أدوات متينة وقوية تتحمل الضغط. الألوان الشمعية السميكة أو ألوان الباستيل الزيتية أفضل من الأقلام الرفيعة التي قد يكسرها عند الغضب.

متى نلجأ للمختص؟

من المهم أن نتذكر أن هذه التقنيات هي أدوات دعم ومساعدة، ولكنها لا تغني عن استشارة المختصين. إذا كانت رسومات طفلك تحتوي بشكل متكرر على مواضيع عنيفة أو مقلقة للغاية، أو إذا كانت سلوكياته تزداد سوءاً، فمن الضروري اللجوء إلى أخصائي نفسي أو معالج سلوكي أو معالج بالفن (Art Therapist) للحصول على تقييم ودعم متخصص.

النجاح الحقيقي لهذه الأداة يعتمد كلياً على الاستمرارية، التشجيع، والدعم. دورك كولي أمر ليس تقييم جمال الرسمة، بل هو الاحتفاء بالجهد المبذول. 
  • شجعي طفلك على المحاولة
  • وفّري له الأدوات في مكان هادئ وآمن
  • احتفي باللحظة التي يقضيها في الرسم كوسيلة للتعبير، بغض النظر عن النتيجة النهائية.

 تذكري دائماً أن الهدف ليس خلق فنان، بل هو منح طفلك لغة جديدة وقناة آمنة للتواصل مع عالمه الداخلي ومعكِ. الصبر والتشجيع المستمر هما ما سيحول هذا النشاط البسيط إلى أداة تغيير قوية.



google-playkhamsatmostaqltradent